البكاري: البعض لا يستوعب مكر اللغة و يركب عليها للتخوين المجاني

على هامش الحملة ضد عزيز الغالي والجمعية المغربية لحقوق الانسان، بسبب الموقف من قضية الصحراء

خالد البكاري

 على هامش  الحملة ضد عزيز الغالي والجمعية المغربية لحقوق الانسان، بسبب الموقف من قضية الصحراء، التي تشن عليهما بمواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من طرف ما يسمون أنفسهم بالمؤثرين ومن طرف بعض اعضاء الجمعية ذاتها، تاتي هذه التدوينة المتميزة للناشط الحقوقي خالد البكاري ب صفحته على الفايسبوك:

 "ما صرح به عزيز غالي بخصوص موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من قضية الصحراء، وما تبع هذا التصريح من نقاش اختلط فيه الحجاج واللغط والحوار والتخوين، وبرغم كل الآثار الجانبية لمن يصطادون دوما في الماء العكر لعرض خدماتهم، وأحيانا لا يطلبها منهم احد، فإن الأمر في رأيي إيجابي، لأنه من المناسبات النادرة لنقاش هذا الموضوع، على الأقل لجهة فهم الوقائع والوثائق والقرارات الأممية، وما قبله المغرب، وما رفضه، وما قبلته أو رفضته الأطراف الأخرى، لأنه في خضم هذا "الهجوم" على عزيز غالي نكتشف واقعا مؤسفا، هو جهل الأغلبية بعناصر هذه القضية، التي رهنت مستقبل أجيال من المغاربة (هنا وبتندوف).

 لم اتفاجأ كثيرا لما طرحه بعض الأساتذة الجامعيين الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالقانون الدولي، ولما طرحه بعض الصحافيين الذين يتم تقديمهم على أساس انهم ملمون بتفاصيل ملف الصحراء، وبعض الفاعلين المدنيين والسياسيين، مما لا يخرج عن الشعبوية والخلط بين القانوني والحقوقي والسياسي، وتيه فيما يخص تطورات الملف وتحولاته، ومعه كذلك التحولات في الطرح المغربي أمام المنتظم الدولي، من مرحلة السيطرة الإسبانية على الإقليم ( اعتبار المغرب ان منطقة الصحراء معنية بإجراءات تصفية الاستعمار)، ثم بعدها قبول تقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا، وبعدها قبول الاستفتاء (شكل من أشكال تقرير المصير)، وصولا إلى مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (الحكم الذاتي كذلك شكل من أشكال تقرير المصير)،

 فمثلا، الأحزاب الانفصالية في كاطالونيا، لا تطالب بتقرير المصير، بل باستقلال كطالونيا، لأن إقليم كاطالونيا مادام متمتعا بالحكم الذاتي فهو بالتالي متمتع بشكل من أشكال تقرير المصير.

ولكن اندهشت لما قرأته من تدوينات بعض أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المحسوبين على مكون "فيديرالية اليسار"، ومنهم أصدقاء اعزهم، ولا اشك في صدقية نضالهم.

لا تهمني كواليس التوافقات أثناء مؤتمرات الجمعية، فلست معنيا بها، وهي شأن داخلي مرتبط بتدبير الخلافات البينية بين مكوناتها (وإن كانت لدي ملاحظات في المبدأ العام، وليس في التفاصيل، متعلقة بتعارض السياسي مع الحقوقي احيانا، والذي قد يسميه البعض خطأ بتعارض الوطني مع الحقوقي)، بقدر ما يهمني ما يصدر عنها من مقررات، تصبح ملزمة للجميع.

لقد خصص البيان العام للمؤتمر الخامس حسب ما اطلعت عليه فقرة صغيرة ومقتضبة لملف الصحراء، وفيها تنصيص على رفض انتهاكات حقوق الإنسان من اي جهة صدرت، مع التمسك بالاستفتاء حلا للنزاع بديلا عن الحرب.

في نفس الموضوع: على هامش موقف عزيز غالي والجمعية من قضية الصحراء : حقوق الإنسان لا وطنية !
فؤاد عبد المومني* لا يمكن فهم مواقف حركة حقوق الإنسان إلا باستيعاب طموحها لأن تكون الضمير الجمعي الغير متحزب للبشرية كافة. وقد اكتشف عدد من ...

انعقد المؤتمر في 1998، وأعاد انتخاب النقيب عبد الرحمان بنعمرو رئيسا للجمعية، ولذلك استغرب كيف لمناضلين قادمين من تجربة حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، يعتبرون قبولهم  بموقف الجمعية الحالي في آخر مؤتمراتها  الذي لا يطالب بالاستفتاء، بل بما هو أقل منه، وهو الحل الديموقراطي، كان فقط للحفاظ على وحدة الجمعية، وأنه آن الأوان لإنتاج موقف واضح، في المؤتمر القادم ، ولو اقتضى الأمر الانسحاب من الجمعية إذا لم تنتج موقفا وطنيا (هكذا).

ما معنى موقفا وطنيا؟ وهل هناك موقف وطني واحد؟ وهل مرجعية الإطارات الحقوقية هي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ام المرجعية "الوطنية"؟

القول بالمرجعية الوطنية هو وقوع في الالتباس، إذ كل واحد يفهم الموقف الوطني حسب قناعاته، بل باسم الوطنية يمكن أن يعتبر البعض أن مقترح الحكم الذاتي نفسه تخاذل وتنازل، وخيانة لدماء الجنود الذين استشهدوا في الصحراء، إذا كان رئيس حكومة الصحراء المتمتعة بوضع الحكم الذاتي واحدا ممن كانوا ضالعين فيما تعرض له الجنود الأسرى من انتهاكات لحقوقهم.

صحيح أن المؤتمر الأخير للجمعية تحدث عن الحل الديموقراطي، ولم يقل بأنه سيكون نتيجة تفاوض يفضي إلى حل تقبله جميع الأطراف كما قال عزيز غالي في حواره الأخير.

ولكن ما ماهية هذا الحل الديموقراطي الذي عبره يتم حل النزاع دون العودة للحرب، إذا لم يكن حلا ناتجا عن تفاوض يقبله الجميع، وتشرف الأمم المتحدة على احترام تنفيذه؟

وهل المغرب يعارض هذا الحل؟ 

ما اعرفه ان المغرب لا يرفض الحل التفاوضي من حيث المبدأ، بل هو يتهم الأطراف الأخرى بأنها تعاكس قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.

البوليساريو اليوم في بياناتها تتأرجح بين موقفين متناقضين، فمرة تقول بالعودة لما تسميه الكفاح المسلح، ومرة تقول بأنها لن تقبل سوى بالاستفتاء.

هل هذا موقف عزيز غالي؟ أو موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟

تنطلق الجمعية اصلا من رفض الحرب حلا للنزاع، وبالتالي فهي على النقيض من البوليساريو في تهديداتها بالعودة لما تسميه الكفاح المسلح.

وتنطلق الجمعية من الحل الديموقراطي الذي لا يعني سوى الحل التفاوضي، وهو ما تتهرب منه البوليساريو والجزائر حاليا، وكل مرة بمبرر. ( الجزائر بمبرر أنها ليست طرفا، والبوليساريو بمبرر انها لن تتفاوض إلا حول آليات الاستفتاء).

ولقد سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن رفضت مقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو الذي جاء به المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر، والذي كان يلقى قبولا في الجزائر.

تبقى، كلمة "تقرير المصير،" التي للأسف يستغلها البعض لشيطنة مناضلي الجمعية، وتحديدا مكون "النهج الديموقراطي".

لن اعيد التذكير بأن المقترح المغربي بالحكم الذاتي هو شكل من أشكال تقرير المصير، بل أضيف أن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن منذ 2007 على الأقل، والتي يرحب بها المغرب، ويسوقها داخليا على أساس أنها انتصارات دبلوماسية، كلها تدعو لمفاوضات تفضي إلى حل سلمي وعادل ومتوافق عليه ودائم، ويضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية (هكذا).

وبالتالي، فحتى حين اجاب عزيز غالي، بأن ما يهم هو أن يكون الحل متوافقا عليه يرضي الطرفين  سواء كان الحكم الذاتي أو غيره، فهو لا يخرج عما تنص عليه قرارات مجلس الأمن التي يرحب بها المغرب.

وحتى الحكم الذاتي في حالة التوافق عليه، يستلزم مفاوضات أخرى للاتفاق على تفاصيله.

الغريب في كل هذا، هو أن مواقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تاريخيا لا تختلف في جوهرها عن مواقف الدولة المغربية بخصوص قضية الصحراء.

الاختلاف فقط في صيغة تصريفه، فالدولة تصرفه داخليا بلغة مشحونة بالوطنية (وهذا عاد لأن جزء كبيرا من شرعية النظام قائمة على صيانة الوحدة الترابية) ، فيما الجمعية تصرفه بلغة كونية حقوقية لأن لها التزامات في الإطارات الدولية التي هي عضو فيها (  حتى الاتحاد الاشتراكي يدافع عن الطرح المغربي في الأممية الاشتراكية بخطاب "لايت" بعيد عن "شرذمة الانفصاليين" والمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"، وغالب الظن أن ذلك بتنسيق مع الخارجية المغربية في إطار الدبلوماسية الموازية).

دافعت الجمعية في ولاية النقيب بنعمرو عن الاستفتاء، وكانت الدولة المغربية تقبل به حينها، بعد إقرار وقف إطلاق النار، وتشكيل المينورسو التي كانت مكلفة بمهمتين: مراقبة وقف إطلاق النار، والإشراف على الاستفتاء.

الفرق بين الدولة والجمعية أن الحسن الثاني كان يسميه الاستفتاء التأكيدي، والجمعية تقول بالاستفتاء النزيه، وهو خلاف في الشكل لا في الجوهر.

واليوم تقول الجمعية بالحل الديموقراطي الذي يجنب المنطقة الحرب، وتقبل الدولة بقرارات مجلس الأمن التي تدعو لمفاوضات تفضي لحل سلمي ودائم وعادل ومقبول من الطرفين، والذي ليس شيئا آخر سوى الحل الديموقراطي.

للأسف، البعض لا يستوعب مكر اللغة، أو يركب عليها للتخوين المجاني.

طبعا لا نتحدث عن "الحياحة" الذين يطالبون بمحاكمة عزيز غالي لأنه يدعو لحل تفاوضي يرضي الطرفين، وهو ما لا يعارضه المغرب أمام المنتظم الدولي.

استدراك ضروري: مهمة المينورسو في الشق المتعلق بالإشراف على الاستفتاء لم تلغ، بل تم تأجيلها، لغاية حصول اتفاق بين الطرفين على حل نهائي، وحتى لو قبلت البوليساريو بالحكم الذاتي، فسيكون هناك استفتاء الساكنة حوله (طبعا سيكون شكليا، لأن لا أحد سيدعو للتصويت ضده)، وفي كل الأحوال فما دام الملف في اللجنة السادسة فإن اي حل يجب أن يقبله الطرفان، ولا يمكن فرض اي حل على أي طرف، حتى لو  صوت عليه مجلس الأمن بدون اي فيتو من الأعضاء دائمي العضوية، إذ إن فرض حل على كل الأطراف لا بكون إلا بانتقال الملف للجنة السابعة).

هذا يعني هادشي مزال مطول، إلا إذا حصلت تغيرات كبرى (قد تكون تدريجية أو مفاجئة خصوصا في عالم اللايقين الذي نعيش فيه، والذي يحفل بالتحولات المفاجئة)."