قال هشام العلوي، بأن النظام المغربي لم يعد نظاما استبداديا تقليديا، وإنما تحول إلى “نوع من الاستبداد الموسع”، على حد تعبيره.
نفى هشام العلوي، إبن عم الملك محمد السادس، أن يكون ما حصل في المغرب بعد إقرار دستور 2011، “إنتقالا سياسيا”، على الرغم من الإصلاحات السياسية التي جاءت بها مسودة ذلك الدستور.
ووصف هشام العوي، في حوار مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، نشر يوم السبت، الإصلاحات الذي جاء بها ذلك الدستور بـ “الممنوحة”، كونها “لم تكن الإصلاحات منتزعة بل ممنوحة”.
وقال هشام العلوي، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. إن الدستور الحالي للمغرب بعيد عن المثالية، بالرغم من أنه “يسمح للأطراف الفاعلة السياسية مجالا للمناورة”، لكن المشكل، في رأيه، يكمن في “الأطراف التي أثبتت أنها ضعيفة للغاية وفاقدة للمصداقية” بحيث لا يمكنها استغلال تلك الإصلاحات، مشيرا إلى أن الفاعل الوحيد الذي كان يمكن أن يحدث فرقا هو حزب “العدالة والتنمية”، لكنه “قرر اتباع سياسة الانصهار الطوعي وإظهار الخضوع للملكية والوفاء لها، ومن هناك، عادت البلاد إلى الوضع السابق”.
وأضاف هشام العلوي، أن الملك محمد السادس الذي اختار أن يكون نظام حكمه هو “الملكية التنفيذية”، استطاع أن يخلع ملابس جديدة على نظامه، الذي لم يعد موضع سؤال بل وأصبح أكثر شعبية، مشيرا إلى أن التخلي عن القداسة، في الدستور الحالي، لم يؤد إلى إرساء الديمقراطية، بل على العكس من ذلك، فقد عزز سلطات الملك.
وفي توصيفه للنموذج السياسي الحالي في المغرب، قال هشام العلوي، بأن النظام المغربي لم يعد نظاما استبداديا تقليديا، وإنما تحول إلى “نوع من الاستبداد الموسع”، على حد تعبيره.
وأضاف هشام العلوي أن النظام السياسي المغربي توجه نحول الإنفتاح الإقتصادي، دون فتحه أمام الجميع، مما أوجد أصحاب مصالح لديهم مصلحة مع النظام ومع الوضع الراهن. وهو ما يجعل من هذا النظام، رغم ظاهره المنفتح منغلقا لأنه لا يسمح بالتحرر الحقيقي للمجتمع. فهو كما يقول يؤدي إلى المزيد من النمو ، لكنه لا يغير أنماط توزيع الثروة، مما أدى إلى خلق نوع جديد من “الاستبداد الجديد” الذي يستند إلى نخبة أوسع من أصحاب المصالح.
من الشاقور إلى المشرط
إلى ذلك، سجل هشام العلوي أن “حراك الريف”، بين 2016 و2017، أثبت بأن الإصلاحات السياسية والإقتصادية التي أجريت بعد “الربيع العربي”، منيت بالفشل، ما دقع الملك بنفسه إلى الإدراك والإعتراف في خطاب رسمي عام 2017 بفشل نموذجه التنموي، وهو يفسر حسب العلوي، تصلّب النظام مع ذلك الحراك الذي رفع مطالب اجتماعية وسياسية إلى الواجهة، مشيرا إلى أن المغرب، مع تلك الأحداث انتقل من عصر الرصاص، في عهد الحسن الثاني، عندما كانت السلطة تستعمل الشاقور على نطاق واسع وبشدة، إلى عصر المِشرَط، وهو أداة حادة ودقيقة، تهدف إلى إزالة الأورام الأكثر إزعاجا من الجسم المريض”، على حد تعبيره.
وبالنسبة لهشام العلوي، فإنه بالرغم من أن القرار الحاسم يبقى بين يدي الملك، إلا أن السلطة لا تستند إلى شخص واحد، أي الملك، أكثر من كونها تستند على مجموعة، يمثلها المخزن، لكن المغاربة، كما يقول، لا يعرفون تحولاته العميقة الجديدة.
وردا على سؤال حول ما إذا كان النظام في المغرب انتقل من الاستبداد إلى شكل من أشكال الأوليغارشية، أعرب هشام العلوي عن عدم ارتياحه لإسقاط هذا الوصف على حالة النظام المغربي، لأن هذا الوصف يعني “أن النظام السياسي المغربي قد غير حمضه النووي بشكل جذري. هذا ليس صحيحا. هناك تعديلات، ملامح من الأوليغارشية – نرى هذا، على سبيل المثال، في تضارب المصالح داخل الحكومة نفسها. لكن السلطة تظل دائما في يد الملك والقصر”.
وردا عن جواب حول العلاقة بين المؤسسات العسكرية والأمنية ورجال الأعمال والقصر الملكي، قال هشام العلوي إن الجهاز الأمني يخضع لسلطة القصر، وهذه حقيقة أساسية. لكنه استطرد قائلا “الأجهزة الأمنية يمكن أن تتخذ مبادرات ليست واضحة دائما. هذا هو الحال بشكل خاص مع اتهامات الاتجار بالمخدرات التي تطال عدة مسؤولين منتخبين في حزب الأصالة والمعاصرة [وهو جزب ملكي بامتياز] ، والتي تم تسريبها إلى الصحافة [في ديسمبر 2023] ، دون معرفة من يتم اتهامه أو إدانته ولأي سبب، إلخ. كل ما هو معروف هو أن الشخصيات المتورطة لا علاقة لها بالقصر مباشرة، على الرغم من أنها تنتمي إلى حزب سياسي ملكي”.
مستقبل الإسلام السياسي في المغرب
من جهة أخرى قال هشام العلوي إن فشل تجربة حزب “العدالة والتنمية”، لا تعني نهاية الإسلام السياسي في المغرب، بما أنه ما زال هناك طلب قوي على التدين في الفضاء العام، مضيفا بأن “العدالة والتنمية” ليس الفاعل الإسلامي الوحيد، وإنما هناك أيضا جماعة “العدل والإحسان”، التي تسعى إلى الانتقال إلى ممارسة السياسة وتحاول طمأنة الأطراف الفاعلة الأخرى بأنها ستحترم التعددية.
وفي نفس السياق، أشار هشام العلوي، إلى أن السلطة لم تشعر بالارتياح للمبادرة التي قدمتها جماعة “العدل والإحسان”، من خلال وثيقتها السياسة التي أعلنت عنها، لكن هذا لن يمنع، على حد قوله، من أن يشق الأمر الواقع طريقه، في إشارة إلى مستقبل “العدل والإحسان” التي قال عنها أنها تضم عناصر محافظة أكثر بكثير من “العدالة والتنمية”، وعلى عكسه، فهي لن تقبل أن تنصهر مع السلطة.
العلاقة مع المؤسسة الملكية
وبخصوص علاقة المغاربة بالمؤسسة الملكية، وبشخص الملك، قال هشام العلوي، إن “الملك الراحل الحسن الثاني قد بدأ في التوفيق بين النظام الملكي والشعب، من خلال استيعاب الأحزاب السياسية في الحكومة، بينما الملك الحالي محمد السادس جعل الملكية مقبولة على المستوى الشعبي.”، معتبرا أن تخفيف التوتر بين الملكية والشعب الذي ساهم فيه إحياء الشحنة العاطفية التي حدثت بعد وصول الملك محمد السادس إلى السلطة، لم يتم ترجمتها إلى إصلاحات سياسية، بل على العكس من ذلك، “أدى إلى انتشاء السلطة الملكية وقد أقنعها ذلك بأنها تستطيع الاستمرار دون إصلاحات”.
وشدد هشام العلوي على أن “المشكلة اليوم، هي أنه لا توجد معارضة منظمة في المغرب، بل فقط أصوات متنافرة ومتباينة. كما لا يوجد فضاء ولا تحالف لقيادة المعارضة وبدء الحوار مع النظام، دون أن ينفي ذلك وجود توترات اجتماعية موجودة، لكنها لا تحمل مشروعا سياسيا.”
وحذر هشام العلوي، من أنه “ستأتي لحظة سياسية قد تحدث فيها ثغرة. ومن غير المعروف إذن كيف سيتم تنظيم التوافق الجديد. ومع ذلك، يجب أن ندرك أنه سيكون هناك المزيد من الأطراف حول مائدة المفاوضات، وأن الحالة ستكون أكثر اضطرابا. وحتى ذلك الحين، ستنتعش الاحتجاجات والمطالب المجزأة وسوف يكون محورها الفساد والمطالبة بسيادة القانون وبالمساءلة”.
تحديات رئيسية
وعن التنافر بين الرأي العام المؤيد للفلسطينيين والتوجه الرسمي المؤيد لإسرائيل، رد هشام العلوي، بأن “المغاربة يشعرون بالإهانة والاستياء”، من هذا التنافر، لكنه لا يرى حتى الآن ترجمة ملموسة لهذا الشعور بالاستياء في الفضاء السياسي.
وفي هذا السياق أشار هشام العلوي إلى أن “هناك سفينتان تجاريتان يشتبه في نقلهما أسلحة إلى إسرائيل توقفتا في المغرب للتزود بالوقود وغيره من اللوازم [في مايو ونوفمبر]، بينما رفضت إسبانيا توقفهما بموانئها، وحتى البرتغال رفضت ذلك بالنسبة للسفينة الثانية. ومع ذلك، فإن استمرار مذابح المدنيين يمكن أن يغير المعادلة”.
أما بخصوص التحديات الرئيسية التي تواجه المغرب في السنوات القادمة، فيرى هشام العلوي أن تغيير المناخ ستكون له آثار كبيرة على الاقتصاد المغربي وعلى غياب المساواة التي تتفاقم بالفعل. داعيا إلى أخذ هذه المخاطر في الاعتبار.
أما التحدي الثاني الرئيسي، في نظره، فيتمثل في “قضية الصحراء الغربية. إن الحرب، سواء كنت فيها المنهزم أو المنتصر، تكون لها عواقب على النظام السياسي. لقد سجل المغرب نقاطا مهمة، ومن المتوقع الآن أن يرى كيف سيحّول مكاسبه إلى مكتسبات دائمة وقد يصبح ضحية لنجاحه الدبلوماسي”.
وخلص هشام العلوي، في ختام حدثيه مع الصحيفة الفرنسية، إلى القول بأن “من خصوصيات المغرب أن المجتمع يريد الاستقرار والشرعية والتغيير في نفس الوقت، وهذه القيم الثلاث ليست بالضرورة متلائمة مع بعضها. ولم يجد المجتمع المغربي حتى الآن حلا لهذه المعادلة. لقد تأرجح دائما حول هذه الأقطاب الثلاثة”.
وختم هشام العلوي حديثه بالقول “سيتعين علينا العودة إلى تحول النظام السياسي والتحرك نحو المزيد من التعددية. هذه هي أفضل طريقة لتحييد الانفجارات المحتملة. إنها أيضا الطريقة الوحيدة لضمان الازدهار والاستدامة التي يريدها النظام الملكي. كما كتبت في مذكراتي [يوميات أمير مُبعَد]، على المدى الطويل (ستكون الملكية للجميع أو لن تكون أصلا) “.
تعليقات