في هذا المشهد السوريالي للحرب الدائرة في غزة اليوم، المفتوحة على غير احتمال، يتجلى صراع المقاربات، صراع بنتائجه يتحدد مستقبل النظام العالمي الجديد.
نحن أمام مشهد سوريالي قل نظيره في تاريخ الحروب. مقاومة شعبية، تكافح من أجل فك الحصار عن شعبها ومن أجل تحرير أرضها المحتلة منذ أكثر من سبعة عقود، وتمتلك أسلحةً جزءٌ منها بدائي وصناعة يدوية، لكنها تمتلك إرادة القتال وحسن التدريب والتخطيط والتنظيم، لأنها صاحبة حق وإرادة، تجتمع عليها أقوى جيوش الأرض دفاعًا عن غاصب محتل. لماذا، لأن هذه المقاومة استطاعت أن تكسر هيبة جيش هذا المحتل وتهدد دوره الوظيفي في حماية مصالح تلك القوى الكبرى وبالتالي تهدد استمرارها في السيطرة على العالم.
هنا، في هذا المشهد السوريالي للحرب الدائرة في غزة اليوم، المفتوحة على غير احتمال، يتجلى صراع المقاربات، صراع بنتائجه يتحدد مستقبل النظام العالمي الجديد.
المقاربة الأولى هي التي يحملها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثل إسرائيل إحدى قواعدها العسكرية في العالم، وهي مقاربة تقوم على مفاهيم القوة والسيطرة والتفوق الثقافي والعنصري وعلى النهب الاقتصادي، وفق رؤية أوروبية التمركز تجد مرجعيتها في بعض روافد الفكر الغربي التنويري والحداثي الرأسمالي، وهي تسقط معها مفاهيم وقيم الحق والعدالة والمساواة أمام سطوة القوة والهيمنة ولو عبر إنتاج واقع مزيف تحدد معالمَه السردياتُ الكاذبة التي تفرض نفسها بكتابة التاريخ وصناعة الوعي الافتراضي المعولم.
والمقاربة الثانية، هي مقاربة التحرر من الظلم والفقر والغلبة والتبعية، ومقاومة الاحتلال، والبحث عن نظام يحترم التنوع والحق في الاختلاف الثقافي والحضاري وحق الشعوب في اختيار نماذجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والاستفادة من ثرواتها الطبيعية والبشرية.
ربما لن تقرر الحرب في غزة مستقبل الصراع بين هاتين المقاربتين، لكن هذه الحرب تندرج من دون شك في سياق هذا الصراع بين المقاربتين، وهي تساهم في بلورة الحدود بينهما، وفي انكشاف زيف وظلم المقاربة الأولى حتى في عقر دارها.
ومهما كانت مسارات الحرب ونتائجها الميدانية، فإن هذه الحرب قد بدأت تُحدث تحولات في مسار الصراع بين المقاربات، وهي تحولات سيتقرر في ضوئها الوجه الجديد للعالم.
* بتصرف عن مجلة "إضافات"
تعليقات