مع إتمام المرحلة الخامسة من صفقة التبادل، بات واضحاً نجاح «القسام» في الدفع بورقة الأسرى لتحتلّ صدارة الملفّات الثقيلة الملقاة على عاتق بنيامين نتنياه
والجدير ذكره، هنا، أنه بينما وضع نتنياهو أهدافاً كبرى للعدوان، على رأسها «اجتثاث حماس»، والسيطرة على قطاع غزة، وإعادة المختطفين بالقوّة العسكرية، استطاعت «القسام» إفشال خططه، وذلك من خلال أدائها العسكري، معطوفاً على أدائها الإعلامي في تظهير تعاملها المتميز مع الأسرى لديها، في ما جسّد حرباً نفسية حرّكت الشارع الإسرائيلي بالفعل.
وأفرجت حماس مساء الاربعاء عن عشرة رهائن إسرائيليين، خمسة منهم مزدوجو الجنسية هم هولندي وأميركية وثلاثة ألمان، فضلاً عن روسيّتين وأربعة تايلانديين أطلقت الحركة سراحهم خارج الاتّفاق، مقابل اطلاق كيان الاحتلال سراح 30 أسيراً فلسطينيا (قاصرين ونساء) وفق ما أعلن الوسيط القطري.
ومع النجاح في تمديد الهدنة ليومين، وإتمام المرحلة الخامسة من التبادل، بات الحديث أكثر جدّية عن توسيع الصفقة لتشمل الجنود الأسرى والرجال لدى المقاومة، والذين سبق أن حدّدت الأخيرة الثمن المقابل للإفراج عنهم: تبييض السجون كافة وإخلاؤها من كلّ الأسرى الفلسطينيين، وهو ثمن لا شكّ سيكون ثقيلاً على إسرائيل.
لكن يبدو أن الحراك الشعبي الضاغط في الكيان، وتبنّي الإدارة الأميركية ملفّ الأسرى، قد نجحا، بحسب التسريبات، في ضمان تمديد الهدنة ليومين إضافيين، ليصبح مجموعها 8 أيام، ما قد يشكّل مدخلاً لبحث الصفقة المقبلة.
وفي هذا السياق تحديداً، جاءت زيارة رئيس جهاز «الموساد»، دافيد برنياع، لقطر، للقاء مدير «الاستخبارات المركزية الأميركية»، وليام بيرنز، والمسؤولين القطريين، ومدير المخابرات المصرية، عباس كامل، والبحث معهم في شأن تمديد الهدنة واستكمال تبادل الأسرى.
وفي هذا السياق، قالت «هيئة البث الإسرائيلية» إن زيارة برنياع تهدف إلى «تقديم مقترحات للخطوط العريضة لعودة جميع المختطفين»، وذلك بعدما اقتصرت صفقة تبادل الأسرى على إطلاق سراح النساء والأطفال من الجانبين.
وقف النار على الطاولة
وإلى ذلك، انطلقت مشاورات مكثّفة رفيعة في الدوحة، التي وصل إليها مدير «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية»، ويليام بيرنز، للترويج لـ«صفقة أسرى واسعة النطاق». ويشارك في الاجتماعات الجارية في قطر، رئيس «الموساد» الإسرائيلي، ورئيس المخابرات المصرية، ورئيس الوزراء القطري، فيما تهدف، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن تشمل «الصفقة المقبلة الرجال والجنود، وكذلك موعد وقف إطلاق النار».
وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فقد قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين، للمسؤولين الإسرائيليين: «نريد تمديد وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن. ألا تريدون ذلك؟ إنه في مصلحة الجميع، ونحن نعمل على ذلك بكلّ ما أوتينا من قوة»، بينما نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن مسؤول أميركي مطّلع، قوله إن «محادثات الدوحة تركّز على الفئة التالية من الرهائن»، ما قد يشير إلى بلورة اتفاق جديد.
وبحسب تقرير لـ«القناة 11» العبرية، فإن «المفاوضات في الدوحة تتمحور حول التوصّل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، يتمّ بموجبه إطلاق سراح جميع المختطفين في غزة، بمن فيهم الجنود. ومن ناحية أخرى، ستطلق إسرائيل سراح السجناء الأمنيين في السجون الإسرائيلية بشكل جماعي».
وأضاف التقرير: «كجزء من الاتفاق، يناقش الطرفان وقف إطلاق النار لفترة ممتدّة من الزمن». لكن القناة أوضحت أن «الخلاف الأساسيّ هو مدّة وقف إطلاق النار، حيث تطالب حماس بوقف كامل، بينما تعارض إسرائيل ذلك، وتقول إنها ملتزمة بأهداف الحرب».
وفي هذا السياق، أفادت تقارير إعلامية عبرية بأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تحدّث عبر الهاتف مع رئيس «الموساد» «حول مستجدّات طلب قطر إبرامَ صفقة تبادل شاملة ووقفاً طويل الأمد لإطلاق النار»، فيما جدّد المتحدث العسكري الإسرائيلي، مساءً، القول إن «قوّاتنا جاهزة لاستئناف الحرب وسنعزّزها بمزيد من المعدات»، مضيفاً أن «وقف إطلاق النار ليس مطروحاً حتى تقرّر الحكومة خلاف ذلك».
ولا شكّ في أن أي خطوة من هذا القبيل، يمكن أن تقْدم عليها الحكومة الإسرائيلية، ستكون محلّ جدال كبير بين القوى السياسية، وخصوصاً حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرّف، إذ إن جزءاً من هؤلاء لم يكن موافقاً أصلاً على الصفقة الجارية حالياً، وليس متوقّعاً أن يوافق على صفقة أكبر مستقبلاً.
وفي هذا السياق، أعلن حزب «عوتسما يهوديت»، أمس، أنه «إذا تمّ تقديم صفقة أخرى للحكومة من شأنها أن تؤدّي إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة، فإن جميع أعضاء الكنيست الستة من الحزب (الذي يقوده وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير) سيغادرون الائتلاف الحكومي».
كما قال بن غفير نفسه إن «وقف الحرب يعني حلّ الحكومة»، قبل أن ينضمّ زميله وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى الموقف نفسه.
من جهة أخرى، أحدث نشر أعداد جديدة للمصابين من جيش الاحتلال هزّة في الداخل الإسرائيلي، حيث اعترف الجيش بإصابة نحو 1000 ضابط وجندي من قواته منذ بداية الحرب على غزة، من بينهم 202 أصيبوا بجروح خطيرة، و320 بجروح متوسطة، و470 بجروح طفيفة.
وعلى أيّ حال، تدرك إسرائيل أنه لا خيارات «مريحة» بالنسبة إليها في ملف الأسرى، وخاصة في ظلّ الرغبة الدولية في استمرار الهدنة، ومحاولة تطويرها إلى وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما لن يحدث إلا بعد إغلاق هذا الملف بصفقة تبادل شاملة يتمّ الإفراج فيها عن أكثر من 5 آلاف أسير من السجون الإسرائيلية، مقابل كل الجنود والضباط المعتقلين لدى «حماس».
ويترافق بحث هذه السيناريوات مع خروج أعضاء المجلس الحربي، من مثل بيني غانتس وهرتسي هاليفي، ليهددوا بأن الجيش على أهبة الاستعداد للعودة إلى استئناف القتال في غزة، من دون أيّ إشارة منهم إلى المرحلة الأخرى من عمليات التبادل، ما يجعل الساعات المقبلة حاسمة في تحديد المسار الذي سيسلكه كيان الاحتلال.
حماس”: جهود تمديد الهدنة لم تنضج حتى الآن
وفي السياق نفسه، قال القيادي في حركة “حماس” أسامة حمدان، إنّ “جهود تمديد الهدنة لم تنضج حتى الآن، وما تم تقديمه لنا حتى الآن لتمديدها لا نجده أهلاً للدراسة”.
وحذّر حمدان من إنّه “إذا قام الاحتلال بأي عدوان فالمقاومة مستعدة، وإذا استمر الهدوء فسنواصل التهدئة”، مؤكداً أنّ “المقاومة هيأت نفسها لأي احتمال بعد انتهاء الهدنة”.
وكشف حمدان لـ”الميادين”، أنّ ما يجري الحديث حوله الآن هو “وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، وبعدها ندخل في الحديث عن تبادل الأسرى”، مشيراً إلى أنّه “لن يكون أي حديث عن تبادل الأسرى العسكريين لدينا قبل وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة”
وأضاف أنّ وقف إطلاق النار ليس كافياً بالنسبة لنا، بل “يجب أن تنسحب آليات الاحتلال من غزة ويوقف أعماله العدائية”.
كما ذكر أنّ “حماس حرصت منذ البداية أن يتم الإفراج عن الأسرى من كل فلسطين، بمن فيهم أبناء الأرض المحتلة عام ثمانية وأربعين”
وأكد القيادي في حماس أنّ الإدارة الأميركية ما زالت تغطي الموقف الإسرائيلي، لكنها “تعتقد أن استمرار العدوان سينعكس سلباً على صورتهما”.
كما تطرق إلى الموقف الروسي منذ بداية العدوان، وقال إنّه “كان إيجابياً”، موضحاً أنّ “المقاومة أفرجت عن الأسرى الذين تبين أنّهم روس تقديراً للموقف الروسي الداعم للشعب الفلسطيني”.
الاحتلال يستهدف مستشقيات جنين
ياتي كل ذلك، فيما عمدت قوات الاحتلال، ليلة أمس، بعد اقتحامها مدينة جنين، إلى توسيع عمليات الدهم والتمشيط والاعتقال، بعدما وصلت إلى قلب المدينة، مستهدفةً بشكل أساسي عدداً من المستشفيات، التي حاصرتها ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين، ما جعل مدير عام وزارة الصحة في جنين يحذّر من أنّ «الاحتلال يعمل على تدمير القطاع الصحي في المدينة»، فيما أكّد مدير الطوارئ في «الهلال الأحمر الفلسطيني» أنّ الاشتباكات، وأنشطة القناصة، «تعرقل عمل الفرق الطبية في جنين».
وطوال الليل، كانت الاشتباكات تتجدد مع المقاومة في المدينة ومحيط مخيمها، وسط انتشار القناصين وتحليق طائرات الاستطلاع، ما أسفر عن إصابة 3 فلسطينيين برصاص الاحتلال، واعتقال أحد المصابين في مستشفى «جنين الحكومي».
كما استهدف الاحتلال المنازل في المخيم، إذ فجّر منزلين في حي الدمج بعد إخلائهما، كما حاصر آخر في بلدة اليامون غرب جنين، مطالباً من بداخله بتسليم أنفسهم.
وأفاد مدير مستشفى الرازي فواز حماد، بارتفاع حصيلة العدوان من المصابين الى 6، بينهم طفلين برصاص الاحتلال، فيما اعتقلت قوات الاحتلال مصابا سابعا من داخل مركبة الإسعاف امام مستشفى جنين الحكومي.
هذا وشنت قوات الاحتلال حملة مداهمات واسعة للمنازل في الحي الشرقي وفي مخيم جنين وسط اندلاع مواجهات عنيفة، فيما لا تزال جرافات الاحتلال تواصل تدمير البنية التحتية في جنين ومخيمها، خاصة في حيي الدمج والسمران وسط تحليق مكثف للطائرات المسيرة.
في غضون ذلك، قصفت المسيرات الاسرائيلية منزل المواطن زميرو، ومنزلا في المخيم يعود للمواطن نائل توفيق الغول، بصواريخ "الأنيرجا"، بالإضافة الى قصفت مركبة أحد المواطنين في المخيم، وقصف وتدمير منازل في حي الجابريات، فيما واصلت الجرافات تدمير البنية التحية من شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحفي والشوارع. وواصلت قوات الاحتلال محاصرتها لمستشفى ابن سينا، ومنعت الجرحى والمرضى من الوصول إلى المستشفى، وفقا لما ذكره مدير المستشفى وسام بكر.
وشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في جنين ومخيمها عرف منهم: والدة الأسيرين نور ومنير سلامة، وزوجة هاني أبو الشاكر، بحجة ان نجلها مطارد، طلال الحصري، ونور الدين منصور ونجله عبد الله، والجريح عبد الله زميرو، والأشقاء بسام وقسام وهمام الحريري ،وفضل قاسم الجدعون .
وواصلت قوات الاحتلال صباح اليوم، تعزيزاتها العسكرية إلى جنين ومخيمها، واعتقلت الشاب إسلام بسام حوشية بعد اقتحام بلدة اليامون غرب جنين ومداهمة منذل ذويه .
وكان جيش الاحتلال قد أعلن مدينة جنين ومخيمها منطقة عسكرية مغلقة ونشر قواته بتعزيزات كبيرة في عدة أحياء.
تعليقات