وسط العاصمة المغربية، وعلى بعد أمتار معدودة من القصر الملكي، يقع معهد تعليمي يحتضن عشرات الطلاب وسط حراسة أمنية من عناصر الحرس الملكي، ت...
الحصانة الأمنية، والمهابة التي ترتسم علي تصميمات المعهد لا ترتبط بكونه مبنىً حكوميًّا فحسب، بل لدوره الذي أسس خصيصًا له، وهو إعداد ملك المغرب المستقبلي والنخبة التي سيكونون مستشارييه ووزرائه في السُلطة.
يقترب التقرير من المعهد التعليمي الأكثر تأثيرًا حول الدول العربية، عبر استكشاف مناهجه التعليمية، وشروط الالتحاق به، ومن هم رواده، والكيفية التي يعتمدها لتخريج ملك المغرب المُقبل.
«المدرسة المولوية».. مدرسة الملوك والأمراء والنخبة داخل القصر الملكي
تأسست المدرسة المولوية عام 1942، لتكون حاضنة أساسية لوليّ العهد وباقي الأمراء والأميرات، إذ تقوم بمهمات تعليمية وتربوية، ويتمثل دور المدرسة الرئيسي في تنشئة ولي العهد وباقي الأمراء والأميرات والنخبة الحاكمة داخل المغرب.
تقع المدرسة، داخل القصر الملكي المغربي في الرباط، معهدًا علميًا تربويًا غير عادي، منوطٌ به صناعة النخبة داخل القصر الملكي، كما أنها تستقبل بعض أبناء رجال الدولة النافذين، وأحيانا ثلة قليلة من المتفوقين في المدارس العمومية المغربية، بما جعل منها أوسع وسائل الدخول إلى عالم النخبة الملكية والمناصب الإدارية العليا في المملكة المغربية.
واحتضنت جدران ومرافق المعهد المولوي بالرباط العديد ممن ساهموا في صناعة القرار في المغرب منذ عهد الملك الراحل محمد الخامس أبرزهم بالطبع الملك الحالي محمد السادس، الذي اختار له الملك الراحل هذا المعهد، ونجله الحسن، ولي العهد القادم. وقد تأسست المدرسة المولوية، بواسطة الملك محمد الخامس، لتكون مدرسة للأمراء والأميرات، ولإعداد الملوك والنخب التي ستحكم المغرب.
وقد وزَّع الملك محمد السادس أغلب زملائه داخل المعهد التعليمي في مناصب نافذة داخل أجهزة الدولة، بعد وفاة والده عام 1999، مثل فؤاد عالي الهمة وزير الداخلية السابق ومحمد رشدي الشرايبي أحد مستشاريه الخاصين وحسن أوريد الناطق باسم القصر سابقًا ووالي منطقة مكناس، ومنير الماجيدي السكرتير الشخصي للملك، ونور الدين بنسودة الذي تولى منصب مدير الضرائب، وياسين المنصوري في قسم الاستعلامات.
حسب مقال منشور لحسن البوهي بجريدة المسائية المغربية، فإنّ «بعض النخب في المغرب فرضت وجودها في المشهد السياسي والاقتصادي من خلال الانتماء إلى المدرسة المولوية، التي يدرس فيها الأمراء وأبناء المقربين من القصر، أوكلت لهم ملفات حساسة وشغلوا وظائف هامة ومؤثرة».
ونشر الناشط «سفيان البحري» الذي يدير صفحة «الملك محمد السادس» على فيسبوك، صورة، لأول مرة، للملك محمد السادس عندما كان تلميذًا صغيرًا، وهو يكتب بالطباشير على سبورة سوداء بيتًا شعريًا للشاعر الفرزدق، وبجانبه أستاذه بالمدرسة المولوية بالرباط، الراحل محمد باحنيني، أحد أشهر رجالات الدولة بالمغرب.
وفيها يُخصص للطلاب ساعات للرياضة البدنية، بعض حصصها يشرف عليها مدربون ومؤطّرون منتمون إلى الدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، ومن خارجهما أيضًا. ويوجد داخل المعهد المولوي مطعم، وتصاحب نجل الملك مربية تهتم بشؤونه الخاصة داخل المعهد.
يبدأ الأسبوع الدراسي للحسن، نجل ملك المغرب، وولي العهد المنتظر داخل المدرسة المولوية من يوم الاثنين وينتهي يوم السبت، ويبلغ مجموع ساعات الدراسة نحو 45 ساعة في الأسبوع، تشمل حصص الدعم والمراجعة. أما يوم السبت فتتم فيه برمجة بعض الأنشطة الموازية، بينها حصة رؤية فيلم مختار بعناية كبيرة يعرض داخل «سينما المعهد».
وكان الملك محمد السادس أصدر مرسومًا بتعيين عزيز الحسين، الوزير السابق في الوظيفة العمومية وسفير المملكة السابق لدى قطر بالإشراف الكامل على المعهد، ويوكله بالإشراف على مهمة إعداد الملك المستقبلي.
والعزيز الحسين حصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة Aix en Provence عام 1988 بفرنسا، وعلى دكتوراه السلك الثالث في الآداب العربية من الجامعة نفسها عام 1983، وهو حاصل أيضًا على الإجازة في الآداب من كلية الآداب بالرباط عام 1978، وعلى دبلوم اللغة العربية من الكلية نفسها عام 1962.
واعتاد الملك محمد السادس على حضور حفل نهاية العام الدراسي للمدرسة سنويًّا، وتسليم عدد من الجوائز كجائزة الامتياز التي منحها لولي العهد مولاي الحسن، وجائزة الامتياز للأميرة للا خديجة في العام الدراسي 2012 و 2013، فضلًا عن تقليد بعض المتفوقين أوسمة على صدورهم.
ماذا يدرسون داخل المدرسة المولوية؟
يشمل المنهج الدراسي عددًا من البرامج الدراسية المكثفة بالمعهد المولوي، والتي تضم القرآن الكريم، والتربية الإسلامية، والفلسفة، ودراسة وتحليل النصوص، والتاريخ، والجغرافية، والنحو، وتاريخ الآداب، والترجمة، واللغات الحية (الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية)، والعلوم والرياضيات، والرياضة البدنية.
اليوم الدراسي داخل المعهد يتخلله بعض الأنشطة الأساسية كقراءة مجموعة سور من القرآن الكريم لساعة زمنية، قبل تناول وجبة الإفطار، يليها مرحلة مُكثفة من الحصص الدراسية على مدار 10 ساعات يتخللها بعض فترات الراحة.
قسم «سميت سيدي»، هو الفريق الذي خصصته إدارة المدرسة بإشراف مُباشر من الملك لمُباشرة العملية التعليمية للمدرسة ونجله بشكلٍ أخص، والذي شكّلته الإدارة من مجموعة من أساتذة اللغات والمواد التعليمية.
وتدرج تحت المواد التعليمية داخل المعهد محاضرات في الثقافة العامة، إذ تستدعي إدارة المدرسة مفكرين ورجال مسؤولين في الدولة من أجل إلقاء محاضرات في مواضيع فكرية راهنة، تحظى بنقاش عام بين المُحاضر والتلاميذ.
ويسري داخل المدرسة الداخلية، قواعد شبه عسكرية، لا تسمح بالتجاوزات، وتشدد علي الالتزام بكافة المهام المطلوبة من التلاميذ الذين يدرسون داخلها.
ولا يخضع البرنامج التعليمي للمدرسة لإشراف وزارة التربية الوطنية، بل تضعه لجنة خبراء تربويين، يكون الغرض الأول منه تربية وتعليم ملك قادر على ممارسة الحكم مستقبلًا، ويتمتع بالقدرات والمؤهلات المطلوبة لذلك.
«مولاي الحسن».. الملك المستقبلي طالبًا بالمولوية
الحسن، ولي عهد محمد السادس، هو أبرز طلاب المدرسة المولوية؛ فهو ولي العهد الشاب الذي يخضع لعملية تأهيل نفسي و تربوي وعلمي داخل المعهد بإشراف مباشر من والده الملك محمد السادس، كي يؤهله ليكون ملكًا للمغرب بعده.
بدأ الأمير الشاب رحلة تحضيره لمهنة «الملك» داخل المعهد بحلول عامه الخامس في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2008، طالبًا في فصل دراسي لا يتعدى عدد تلاميذه خمسة تلاميذ كلهم ذكور، يبدأ دراسة في مواد اللغة العربية والفرنسية والتربية الدينية، وسط حضور من جانب والده الملك إلى جانب والدته الأميرة للا سلمى، وشقيقته الأميرة للا خديجة لبعض الدروس في مراحله الأولى داخل المعهد.
واشتهر الأمير الشاب بين زملائه ومدرسيه بـ«سميت سيدي» وهو اللقب الذي يطلق على ولي العهد في الدولة العلوية. واعتاد الخدم والموظفون داخل القصر الملكي إطلاقه على الأمير الشاب، والذي كان قد حمله قبله كل من والده الملك محمد السادس، وجده الملك الراحل الحسن الثاني، ومن سبقه من أولياء العهد.
ويرافق مدرسو المدرسة ولي العهد خلال زياراته الخارجية، أو أسفاره طويلة الفترة، سواء داخل البلاد أو أخرجها، يصيروا أشبه بالمدرسة المتنقلة التي تنتقل مع ولي العهد أينما حل. ويشهد الحفل الدراسي لنهاية العام الدراسي بالمدرسة، تقديم ولي العهد الأمير الحسن برفقة شقيقته الأميرة للا خديجة وزملائهما بالقسم، عدد من العروض واللوحات الفنية ومقاطع موسيقية وغنائية، وذلك باللغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية.
وعلق الملك محمد السادس، في أحد اللقاءات الصحافية، «أنه يحرص على أن يحصل ولي العهد على تربية مثل التي حصلنا عليها أنا وشقيقاتي وشقيقي»، وهي تربية قال: إنها «تميل إلى الصرامة مع برنامج دراسي حافل.. إذ تلقينا تربية دينية جيدة في الكتاب القرآني بالقصر. وأنا حريص على أن يتلقى ابني نفس القواعد التربوية».
المصدر: (ساسة بوست)
تعليقات